بسم الله الرحمن الرحيم
من منا بلا طلاق؟ تتلفت حولك فتجد أنك محاط بعالم من الطلاق المتكرر فهي أختك وهي عمتك وهي ابنة الجيران وهي قريبة زوجك وهي وهي...
المدهش في المسألة أن معظم النساء لا يعرفن أياً من إجراءات الطلاق أو ما يترتب عليه فيما لو حدث؟؟.. ماهي الإجراءات وماذا يحدث للأطفال وللبيت ولغرفتي ولملابسي ولجزئي الحميم في المنزل؟؟...
.. كلها تفاصيل هائلة تنقض فجأة في وجه المراة، ويبدأ الكثير من المطلقين الرجال في حياكة قوالب الشر والانتقام مستغلين ضعف الموقف القانوني للمرأة في ظل غياب التحديد الدقيق والمكتوب لحقوق المرأة في غابة الطلاق.
مقابل كل هذا الصمت واللامبالاة يأتي النور مشعاً من آخر النفق، والذي يتمثل في هذه الحملة الرائعة التي تقودها الصحافية السعودية النشطة هيفاء خالد ومنذ عدة أشهر والتي تهدف إلى ضبط وتقنين الطلاق وطريقته وأحكامه وآثاره ضمن نظام الأحوال الشخصية، وتحويل الطلاق إلى إجراء نظامي تضمن فيه حقوق جميع الأطراف وتحترم فيه شرعية الطلاق..
المدهش فعلاً هو ما أثمرت عنه هذه الدعوة الطيبة من الدعم والقبول سواء من قبل أقطاب في المؤسسة الدينية التي هي عصب القضية متمثلاً في الدعم الكبير الذي أبداه بعض من المشايخ جزاهم الله عن كل نساء المملكة كل خير أو تتمثل في دعم مجلس الشورى من خلال بعض المناقشات التي تمت تحت قبة المجلس.. فيما يخص الموضوع.
ومن يشاهد البرامج المختلفة والتغطيات التي تبثها القنوات حول أوضاع المطلقات وظروفهن البشعة سيبدأ بتلمس المعاناة الصامتة والصارخة التي يقعن ضحايا لها كل حسب حجم مشكلته ولن تصدق عيناك كيف يمكن أن يحدث كل هذا في مجتمع مسلم ولماذا تضطر النساء في ضعف هائل إلى التنازل عن حقوقهن؟؟؟.. لماذا تتقبل السواد الأعظم من النساء ما يقع عليهن من حيف وجور ولماذا لا يقفن في مواجهة ظالميهن من الأزواج؟؟
لأنهن ببساطة يعرفن عجز المؤسسة القانونية عن نصرتهن لعدم وجود آليات لتفعيل حصولهن على حقوقهن، فإذا تركت المرأة زوجها على سبيل المثال وأقر القاضي بالنفقة لها ولأولادها فما الذي سيرغم هذا المطلق أن يدفع وهو في العادة لا يفعل ودون ملاحقته قانونياً سيل من الحجج والعوائق الاجتماعية والمادية.. وإذا قرر الزوج حرمانها من رؤية أطفالها وطردها من المنزل فما الذي يمكن لها أن تفعله وهو الولي الشرعي الذي تأتمر كافة المؤسسات بإرادته في ما يخص الأطفال، بل وحتى ما يخصها حتى لو كانت قد طلقت منه.. إذ يتمكن الكثيرون من المراوغة واللعب على القانون وعدم إعطاء المرأة أوراقها الرسمية فتبقى لا هي معلقة ولا هي مطلقة، وأنا أعرف حالة لها الآن أكثر من سبع سنين بعد الطلاق ولم تتمكن من الحصول على جواز رسمي أو السفر؟؟؟
ولا تقف العوائق الهائلة التي تقف في وجه تسهيل حصول المرأة على حقوقها بعد الطلاق عند هذا الحد بل تتعداه إلى عقبات إدارية ولوجستية تتمثل في عدم إقرار مسودة خاصة للطلاق يتبعها الجميع عند معالجتهم للحالات المختلفة. ورغم أن الشرع قد أقر الكثير من الحقوق والواجبات لكلا الطرفين بما يحفظ حقهما الإنساني ويحفظ الأطفال وهم الضحايا الأساسيون لمأساة الطلاق إلا أن الاختلاف في الأحكام المقررة في قضايا متشابهة والاضطراب في تطبيق القوانين والإجراءات من منطقة إلى أخرى أدى إلى كل هذه المآسي التي ساهمت العزيزة هيفاء في الكشف عن أستارها..
هناك أيضاً هذه المسألة ذات الحساسية العالية والمتعلقة بعالم القضاء الذي يتميز بطبيعة ذكورية واضحة يميل من خلالها المناخ العام للمارسات في داخله إلى نصرة الرجل تبعاً للنظرة التقليدية التي تتشبث بالموروث وبالسائد في النظرة إلى المرأة ولدورها ولوظائفها ومن ثم قد يصعب على قاض ومهما تمتع بخبرة عميقة في المجال القضائي أن يتخلص من موروثه الاجتماعي والثقافي عند الحكم على القضايا ذات العلاقة بحقوق المرأة مثلاً في العمل أو تحديد الحريات فما قد أراه تقييداً لحريتي قد يرى قاض في منطقة نائية بأنه عين العقل وهكذا تظل الكثير من القضايا المعاصرة التي تعاني منها المرأة في علاقتها مع الرجل خاضعة في التقييم لها إلى حد كبير ليس بالضرورة على حكم شرعي واضح قدر ما هي تعتمد تقدير القاضي الذي لا شك يتوسل النزاهة والدقة والحكم الشرعي، لكنه أسير خلفيته الاجتماعية والثقافية ومثل هذا الأمر يكون أكثر ما يكون في قضايا الأحوال الشخصية ويزيد الأمر سوءاً بالنسبة للمرأة عند تفجر قضايا الطلاق وما يلحق بها من حضانة للأطفال أو نفقة، ولن نتحدث عن أي ملكية في المنزل أومتعلقاته والتي كان يجب أن تقر لهذه الزوجة التي أفنت شبابها مع الزوج وليس لها مكان تأوي إليه بعد الطلاق وهكذا يتم طردها من منزلها وتسقط ملكيتها لأي من أغراضها وأثاث منزلها مهما ساهمت فيه، هذا إذا لم تطالب برد المهر الذي أنفقه عليها الزوج في بداية الزواج إذا كانت هي المطالبة بالطلاق، هذا في حين تقر القوانين الوضعية للمرأة في الغرب المدان دائماً بأن من تعيش مع رجل أكثر من ثلاث سنوات سواء أكان هناك عقد زواج رسمي أم لم يكن بنصف ما يملك هذا الرجل ثروة ومنزلا، فما ذنب نساءنا اللاتي يقضين سنوات شبابهن رعاية وعناية للزوج والأبناء لتنتهين في الشارع أو في منزل زوجة أخ أو في دور الرعاية لبعض الجمعيات الإنسانية؟؟؟
يجب أن نقف جميعاً مع الشجاعة الإعلامية هيفاء خالد لأنها لامست جراح مئات الآلاف من المطلقات الصامتات اللاتي قد تعجزهن الوسائل المختلفة ضمن واقعهن الشخصي سواء كانت مادية أومعنوية من الوصول إلى حقوقهن المشروعة وننادي معها كما نادى الأستاذ الحارثي خبير الشؤون الجنائية من خلال موقع المبادرة بضرورة التسريع في إيجاد نظام للأحوال الشخصية يحدد الحقوق والالتزامات لجميع أفراد الأسرة وخاصة عند وقوع الطلاق، وتفعيله عن طريق محاكم الأحوال الشخصية التي نص عليها النظام القضائي الجديد، ونشر هذا النظام على نطاق واسع حتى نتمكن من خلق مجتمع متعلم يعرف كل فرد حقوقه والتزاماته.
*نقلا عن جريدة "الجزيرة" السعودية