المقالات استبشروا و تفاءلوا تجدوا ما ظننتم
سنتحدث هذه المرة عن معنى من أجمل معاني الحياة، وهو النظرة بتفاؤل مهما كانت الأحداث سلبية؛ فنحن في دار اختبار ومن الطبيعي أن تحدث لنا أشياء لا نرغب فيها ولا نتمناها. فماذا يكون شعورنا نحوها؟ وما الذي يحب علينا فعله حيالها؟ تلك هي المشكلة التي نبحث فيها لنفهمها ولنجد حلا لها.
هناك من يكتئبون ويصابون بالإحباط واليأس عندما تصدمهم بعض الأحداث. وهو إحساس أشبه بالظلام الذي يخيم على سماء قلوبنا ونفوسنا، فنشعر بالحيرة، وعدم القدرة على مواجهتها. فتكون النتيجة إحساساً سلبياً تجاه الحياة والعالم. والمسلم الحق الذي عرف دينه وفهم عن ربه لا بد وأن يكون شجاعًا في مواجهة الأزمات والشدائد، لا بد وأن يكون أمله في الله أكبر وأعظم من أن يهزمه الشيطان بخواطر الإحباط واليأس.
ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.. تذكروا معي كيف أن النبي هوجم في وطنه، وحورب من أهله، وطُرد من أحب البلاد إليه، فلم ييأس ولم يحبط ولم يتخلَّ عن الثقة في أن الله سيعينه وينصره ويثبت أقدامه أبدًا. هاجر إلى المدينة، ومن هاجروا معه تركوا خلفهم ديارهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم وفروا بدينهم.. ترك النبي ومن معه كل شيء وهم متوكلون على الله، لم يتشككوا ولم يحبطوا ففتح الله عليهم مع نبيه الكريم، وأفسح لهم صدور إخوانهم من الأنصار، وفتح لهم قبل هذا وذاك أبواب السماء تستقبل دعاء أحيائهم وأرواح أمواتهم لأنهم صبروا وصدقوا وكانت ثقتهم في الله أكبر من أن يحدّها عداوة أحد من المشركين أو فقد أحد من الأهل أو حتى ترك كل ما يملكون. وهذه هي العظمة في ديننا وهؤلاء هم الرجال كما وصفهم الله تعالى في سورة الأحزاب: " مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ ومِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ومَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً".
وكان المسيح عليه السلام يمر ومعه أحد الحواريين على طريق به كلب ميت فقال الحواريُّ: "ما أنتن رائحتَه"!، فقال له سيدنا "عيسى" عليه السلام: "وما أبيض أسنانه"!!، وهكذا نتعلم من الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين أن المشكلة تكمن في النظرة التي ننظر بها على الأحداث، فمنا من ينظر للشيء السلبي فيها وكأنه بلسان حاله يقول: "ما أنتن رائحته"، ومنَّا من ينظر للشيء الإيجابي فيقول: "وما أبيض أسنانه"... ومن هنا نتعلم أن لكل شيء وجهين أحدهما سلبي وهو الباعث على القلق والتشاؤم واليأس، والآخر إيجابي وهو الباعث على الاطمئنان والتفاؤل وتوقع الخير من الله.. وعلى أحدنا أن يختار إلى أي وجه يميل.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا".. وأنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما. وفي هذا ليعلمنا أن ننظر للأمور بتفاؤل وأن نستبشر ونُبشِّر ولا نُحبَط ونيأس.
ولنا في موقف الرسول وصاحبه القدوة الحسنة إذ هما في الغار إذ وقف الكفار على بابه وخشي "أبو بكر" على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: لو نظروا تحت أقدامهم لرأونا.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا "أبا بكر" ما ظنك باثنين الله ثالثهما"!
وفي ذلك ليثبت فؤاد الصِّدِّيق رضي الله عنه وليثبت فؤاد كل مسلم ضاق به الحال وليُعلِّمَه أن الله مطَّلع عليه وأنه يراه وأنه سينجيه ما دام العبد يتذكر مولاه، فليستبشر بالله وليطمئن قلبه به وليتفاءل مهما كان الحدث سلبيًا والأمور عظيمة؛ لأنه مهما كان العبد في ضيق فإن الله يخرجه ومهما كان العبد في عجز فالله القادر يعينه، فلنلجأ إليه ونستبشر به فليس لنا غيره: " أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ ويَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ".
فإذا علل أحدنا نظرته السلبية للأمور على ظلم وقع عليه وأن الظلم عندما يقع على أحدنا ولا يستطيع دفعه يشعر الإنسان بالعجز واليأس ومرارة الإحباط، وتهرب من على شفتيه البسمة ومن قلبه روح التفاؤل.. نقول له نعم إن وقع الظلم على النفوس عظيم، ولهذا قال تعالى: "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ". فإذا شعرت بالظلم وقلت سوءًا ودعوت بالسوء على من ظلمك وجهرت به دون إرادتك فإن الله يتجاوز عن ذلك.. بل ولا بد من أن ينصرك الله ولو بعد حين..
ولكن لتعلم يا أخي ولتعلمي يا أختاه أن أسوأ من مرارة الظلم وأشد وقعًا على القلوب منه الرغبة في الانتقام!!لأنها تورث أسوأ أنواع الكراهية وإذا دخلت قلبا اسودَّ وانطفأ نور الإيمان فيه، فمن أين تأتيه راحة القلب والتفاؤل، ومن أين تأتيه البشرى بغـدٍ قادم يحمل إليه رضاء نفسه ورضاء الله؟!
وقد وجَّهنا الله إلى الدواء الشافي للقلوب من أمراض الكراهية التي تدفعنا لليأس والحقد أملاً في أن نتمتع بالرجاء والتفاؤل.. فقال الله تعالى: " ولْيَعْفُوا ولْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبـُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ واللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".
أي أن العفو والصفح يجلبان مغفرة الله تعالى كما قال، فربما أتى الله بهذا الظالم حتى يطهرك من ظلم أوقعته على إنسان، سواء عرفت أم لم تعرف، وسواء قصدت أو لم تقصد.. فلنفهم فقه البلاء حتى يتبين لنا حنان الله من خلف أبوابه، فالبلاء باب باطنه فيه الرحمة وإن كان ظاهره العذاب..
فإذا ظُلِمت فاصبر واستبشر وتفاءل وقل عسى الله أن يجعل من بعد عُسرٍ يُسرا، وعسى أن يطهرني ويزكيني ويرفع عني ما هو أشد مرارة من هذا الظلم الواقع علي، أو عسى أنه يريد أن يقربني إليه، فنارُ البلاء تُخلِّص الإنسان من شوائب النفس الأمارة بالسوء.. ومن تطهرت نفسه وصلت لاطمئنانها وناداها الله في ملكوته: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وادْخُلِي جَنَّتِي".
فيا أخي ويا أختي، مهما يكن ما نحن فيه علينا ألاّ نيأس أبدًا. علينا أن نسعد بحياتنا على ما هي عليه، علينا أن نتفاءل وأن تكون مشاعرنا إيجابية مهما أحاط بنا من أشياء سلبية، فالله قادر على أن يحيل الليل إلى نهار، والظلمة إلى نور، والخوف إلى أمن، والفقر إلى غنى، والذلة إلى عز، ولا حالَ يدوم.. وسبحان القائل جل في علاه: "وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"..فيا سعادة من صبر وتفاءل وأحسن الظن بالله ويا شقاوة من جزع ويأس ونسي أن له ربًّا يحميه ويعطيه ويسنده ويقويه.
"... فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَذِي بَايَعْتُم بِهِ..."
.. استبشروا وتفاءلوا وثقوا تجدوا ما ظننتم،
فالله عند ظن عبده إن كان خيرًا وجد الخير
وإن كان غير ذلك وجد ما ظنه فيه..
"... ومَا رَبُّكُ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ".
دي مقاله للاستاذ\مصطفي حسني عجبتني فجبتلكم